الأربعاء، 20 يناير 2010

كيف ندعو ؟

كيف ندعو ؟

الدعوة إلى الله عز وجل الأصل فيها المتابعة وهذا يتضح من قوله تعالى :

{قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ} (يوسف:108) । يقول الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى: "قوله: (أدعو) حال من الياء في قوله (سبيلي)، ويحتمل أن يكون استئنافاً لبيان تلك السبيل" الجزء التاسع، مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين ص117।

إذن هذه السبيل لها كيفية يجب أن تُعلم، وهي أن يكون الداعي على بصيرة. ويقول رحمه الله في قوله : (عَلَى بَصِيرةٍ): "ليس المقصود بالعلم في قوله (عَلَى بَصِيرَةٍ) العلم بالشرع فقط، بل يشمل العلم بالشرع، والعلم بحال المدعو، والعلم بالسبيل الموصل إلى المقصود وهو الحكمة. فيكون بصيراً بحكم الشرع وبصيراً بحال المدعو، وبصيراً بالطرق الموصلة لتحقيق الدعوة ولهذا قال النبي لمعاذ: (إنك تأتي قوماً أهل كتاب) " । الجزء التاسع، مجموع الفتاوى، الشيخ ابن عثيمين ص 119 ।

ويمكن تمثيل ذلك بهذه الصورة :

بصيرة بحكم الشرع + بصيرة بحال المدعو = بصيرة بالطريق الموصلة لتحقيق الدعوة ।

علم + فقه الواقع = الحكمة ।

(إذن الحكمة وليدة العلم) ।

لكن يبقى هنا أن ننبه أن هذه المعادلة تحتاج إلى موازنة ولهذا نبه ابن القيم رحمه الله فقال: "ولا يُمَكَّن المفتي ولا الحاكم من الفتوى إلا بنوعين من الفهم।

أحدهما :

فهم الواقع والفقه فيه واستنباط علم حقيقة ما وقع بالقرائن والأمارات والعلامات حتى يحيط به علماً ।

والنوع الثاني :

فهم الواجب في الواقع وهو فهم حكمة الله الذي حكم به في كتابه أو على لسان رسوله في هذا الواقع ثم يطبق أحدهما على الآخر، فمن بذل جهده واستفرغ وسعه في ذلك لم يُعدم أجرين أو أجراً" انتهى।

وبهذا يتضح إنه إذا انفرد العلم عن فهم الواقع، والأشخاص المخاطبين، وأحوالهم، والمؤثرات التي تؤثر عليهم، وتحرك كوامنهم لأصبح العلم مفهوماً مجرداً، ومُثلاً عليا لا تصل للواقع ولا تعالج جروحاً। والأخطر من ذلك: أن نفهم الواقع دون علم وهذا ما نراه اليوم على الساحة من تميع فمثلاً تقوم دعاوى بأننا لا نحتاج اليوم إلى إصلاح العقيدة جهداً، فالناس موحدين والحمد لله، بل نحن نحتاج إلى إصلاح الأخلاق।

وجهلوا أو تجاهلوا أموراً :

1ـ أن التوحيد أمرٌ لا يُكلُّ ولا يُملُّ من تعليمه وتدريسه، لأنه قاعدة الشريعة وأصل كل أمر، والخطأ فيه كثير، والجهل فيه واسع، والنبي يقول : "ولا تقوم الساعة حتى تلحق قبائل من أمتي بالمشركين، وحتى يعبدوا الأوثان..." رواه الترمذي، كتاب الفتن ।

2ـ أن أصل صلاح الأخلاق وتغييرها النافع إنما يكون بصلاح معتقد العبد وتصوراته (تصرفاتنا فرع من تصوراتنا) ।

3ـ أنه لا قيمة للأخلاق إن فسدت العقيدة ।

إذن مع وجود العلم وفقه واقع المخاطبين يسهل على الداعية اختيار الطرق والأساليب التي بها تُطرح المفاهيم الصحيحة ।

فلا يشترط في الدعوة أن تكون الداعية طلقة فصيحة فإن كانت كذلك فيها فبها ونعمت، وإلا فإن للداعية قلماً يكتب، أو مالاً يُنفق ، أو شريطاً يوزع، أو مسابقة تُنظم، ولا يشترط في كل ذلك الخروج من المنـزل ।

إذن ... أين ندعو ؟ ومن ندعو ؟

أول مفهوم يحب أن يُغيَّر هو كون الدعوة من المرأة شرطها الخروج، فهذا ليس صحيحاً، خصوصاً مع ما نجده اليوم من أساليب حضارية تساعد على الدعوة، كالهاتف، والجوال والإنترنت، فهذه كلها وسائل تخدم الدعوة لمن يحسن ذلك। فنرسل مثلاً عن طريق الفاكس، أو البريد الإلكتروني جدول إذاعة القرآن، أو نرسل رسالة عن طريق الجوال للتذكير بموعد برنامج نور على الدرب، وهكذا॥ ومن الأماكن التي يمكن الدعوة فيها :

ـ الدروس العلمية: فإنشاء دروس علمية الانتظام فيها من أهم الأساليب التي تنشر الوعي والعلم ।

ـ المحاضرات العامة : وهذه في العادة تكون في مناسبات ولا يشترط فيها الانتظام ।

ـ المدارس النظامية ومدارس تحفيظ القرآن للطالبات والمعلمات।

ـ المستشفيات : للممرضات والمستخدمات غير المسلمات ।

ـ الكتابة في الصحف والمجلات ।

ـ المناسبات الخاصة :

مثل اجتماعات العيد، أو الزيارات العائلية، أو التجمعات الصيفية، اجتماع الجارات مع بعضهن البعض، ويجب ألا تُغفل أماكن العمل للأخوات العاملات ।

ومن أ جل خدمة مثل هذه الأماكن المختلفة يكون هناك الفكر الاستثماري لكل فرصة، بشرط ألا تقعي في محاذير تخالفين بها مقاصد الشريعة، فإن الحماس غير المنضبط يهدم أحياناً أكثر مما يبني ، لذلك تذكري المعادلة :

علم + فقه الواقع = الحكمة ।

يقول الشيخ بن باز رحمه الله : "إلا أن اندفاع الشباب لابد أن تسايره حكمة من الشيوخ ونظرة من تجاربهم، وأفكارهم، ولا يستغني أحد الطرفين عن الآخر" مجموع فتاوى ومقالات متنوعة ج2 ، ص 364 ।

وترتيب المخاطبة في الأولوية في الدعوة تكون :

أولاً :

يبدأ الداعي بإصلاح نفسه قبل أي أحد، لأن الفعل أكثر أثراً من القول، واسمعي قول شعيب عليه السلام : {وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ} (هود: الآية88) ، وقوله تعالى : {قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ وَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} (الأنعام: الآية14) ।

ثانياً :

إنذار العشيرة القريبة । قال الله عز وجل : {وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ} (الشعراء:214) فصلاح البيت والأسرة داعم للداعية للاستمرار، ومساعد له على الثبات। فأهل البيت للمرأة هم العشيرة القريبة، فهذا الزوج وأهله وهؤلاء الأبناء، وهذه الخادمة، وهناك الأم والأب، ولكلٍ منهم طريقة تنفع إن شاء الله وتؤدي الغرض।

وتذكري :

أن الإمام الشافعي والإمام أحمد والإمام البخاري رحمهم الله قد نشأوا أيتاماً، فهذا فقيه الأمة وهذا إمام أهل السنة وهذا إمام في الحديث، وكلهم ربتهم نساء!

ثالثاً :

أنذري المحيطين في المجتمع ، يقول الله عز وجل : {وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ مُصَدِّقُ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَلِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَهُمْ عَلَى صَلاتِهِمْ يُحَافِظُونَ} (الأنعام:92)। فننشر دعوة الخير، ونحارب الرذائل، ونشجع الفضائل।

رابعاً :

انذري جميع الأمم: قال الله عز وجل {الر كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ} (إبراهيم: الآية1) । وهو دعوة غير المسلمين إلى منهج الحق ।

احذري هذه الأمور !!

احذري فقدان الإخلاص والتعالم ، أو كما يقول الشيخ بكر أبو زيد حفظه الله: "عتبة الدخول الفاجرة إلى خطة السوء الجائرة (القول على الله بلا علم)، فإن القول على الله بلا علم درجة أعلى من الشرك" । ويقول الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في كتاب العلم : كيف تعلم أيها العبد أن الحكم لله ثم تتقدم بين يديه فتقول في دينه وشريعته ما لا تعلم، لقد قرن الله القول عليه بلا علم بالشرك به فقال سبحانه : {قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالأِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ} (الأعراف:33) .

وقال عبد الله بن مسعود : "أيها الناس من سئل عن علم يعلمه فليقل به، ومن لم يكن عنده علم فليقل الله أعلم فإن من العلم أن يقول لما لا يعلمه : الله أعلم"। وسئل الشعبي رحمه الله عن مسألة فقال: لا أحسنها، فقال له أصحابه: قد استحيينا لك، فقال: لكن الملائكة لم تستحِ حين قالت {لا عِلْمَ لَنَا إِلاَّ مَا عَلَّمْتَنَا} (البقرة: من الآية32) .