الاثنين، 18 يناير 2010

من هو الداعي ؟

من هو الداعي ؟

قال صاحب اللسان : "والدعاة قومٌ يدعون الناس إلى بيعة هدى أو ضلالة، واحـدهم داعٍ، ورجل داعية: إذا كان يدعو الناس إلى بدعة أو دين" إذن قد ندعو ونُسمى: دعاة ولكن

لماذا ندعو، وإلى ماذا، ومتى، وكيف، وأين، ومن ندعو؟

إجابات هذه الأسئلة ستحدد هل نحن دعاة للناس إلى بيعة هدى أو ضلالة؟ هل نحن دعاة إلى بدعة أو دين ؟

يقول ابن القيم رحمه الله : "الدعاة جمع داعٍ، كقاضٍ وقضاة، ورامٍ ورماة، وإضافتهم إلى الله للاختصاص، أي الدعاة المخصوصون به، الذين يدعون إلى دينه وعبادته ومعرفته ومحبته وهؤلاء هم خواص خلق الله، وأفضلهم عند الله منـزلة وأعلاهم قدراً" ।

وسنحاول الإجابة على هذه الأسئلة سريعاً علَّ الأمر يتضح ।

أولاً : لماذا ندعو ؟

1ـ لعظم أجر الداعي إلى الله :

وهذا الأجر المترتب مذكور بنصوص كثيرة :

• فالداعية من أحسن الناس قولاً، قال تعالى : {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ}(فصلت، 33) ।

• وللداعي مثل أجور من تبعه، عن أبي مسعود قال: قال رسول الله : (من دل على خير فله مثل أجر فاعله) ।

• ولاستمرار ثواب الداعي بعد موته। عن أبي هريرة أن رسول الله قال: (إذا مات الإنسان انقطع عنه عمله إلا من ثلاثة، إلا من صدقةٍ جارية أو علمٍ ينتفع به أو ولدٍ صالح يدعو له) رواه مسلم ।

انظري ॥ وقارني !! إننا نترحم على الأموات من علمائنا ودعاتنا كلما ذكرنا أسماءهم أو قرأنا كتبهم ونهلنا من علمهم، في مقابل أننا في أيام كثيرة ننسى خواص أقربائنا من الأموات। وعُدِّي كم من طلبة علم يقولون: ابن تيمية رحمه الله، وابن القيم غفر الله له، وخواص أمواتنا لا يترحم عليهم غيرنا ।

كوني داعية :

2ـ استجابة لأمر النبي : (بلغوا عني ولو آية) ।

فالدعوة سبيل اتباع الأنبياء صلى الله عليهم وسلم، قال تعالى : {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ} (يوسف:108) । يقول الشيخ السعدي رحمه الله : "يقول الله تعالى لنبيه محمد (ص) (قل ) (للناس) (هذه سبيلى ) أي طريقي التي أدعو إليها، وهي السبيل الموصلة إلى الله، وإلى دار كرامته، المتضمنة للعلم بالحق، والعمل به، وإيثاره وإخلاص الدين لله وحده لا شريك له" ।

كوني داعية ॥

3ـ لكي تُعذري أمام الله يوم القيامة ॥

قال الله تعالى : {وَإِذْ قَالَتْ أُمَّةٌ مِنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْماً اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَاباً شَدِيداً قَالُوا مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ} (الأعراف:164)، يقول الشيخ السعدي رحمه الله في تفسير هذه الآية: "فقال الواعظون: نعظهم وننهاهم {مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ} أي لنُعذر فيهم {وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُون} أي يتركون ما هم فيه من المعصية فلا نيأس من هدايتهم، فربما نجع فيهم الوعظ وأثَّر فيهم اللوم، وهذا هو المقصود الأعظم من إنكار المنكر ليكون معذرة، وإقامة حجة على المأمور والمنهي، ولعلَّ الله أن يهديه فيعمل بمقتضى ذلك الأمر والنهي" ।

ويقول ابن كثير رحمه الله في تفسيره : " {مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ} أي فيما أخذ علينا من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، {وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُون} يقولون ولعلَّ لهذا الإنكار يتقون ما هم فيه ويتركونه ويرجعون إلى الله تائبين" ।

كوني داعية :

4ـ طلباً للنجاة في الدنيا والآخرة ॥

قال الله تعالى : {وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} (الأنفال:25) । يقول الشيخ السعدي رحمه الله في تفسيرها: "{وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً} بل تصيب فاعل الظلم وغيره، إذا ظهر الظلم وغيره، إذا ظهر الظلم فلم يغير فإن عقوبته تعمَّ الفاعل وغيره. وتقوى هذه الفتنة بالنهي عن المنكر وقمع أهل الشر والفساد، وأن لا يُمكنوا من المعاصي والظلم مهما أمكن" .

كوني داعية ॥

5ـ لتصلحي ويصلح بك المجتمع :

تبذل الأم الجهود في البيت لتُصلح نشأة ولدها، فإذا خرج وجد ما يُضاد هذه التربية علماً وعملاً وسلوكاً واعتقاداً . فلو وقعت الدعوة موقعها وعَلم الناس ما يجهلون، لاجتمعت العقول على مقياس الصواب। والقلوب إذا لم تجتمع على عقيدة سلفية سليمة كان أصحابها في شقاق لن تجمعهم الأنساب ولا الألقاب، فاجتماع الأبدان لن يكون إلا مؤقتاً إذا كان عِقدُ القلوب مشتتاً .

كوني داعية ॥

6ـ فأهل الباطل يبذلون جهودهم وأهدافهم دنيه، وأهل الحق أولى بالبذل:

والواقع يشهد بذلك، فجهود أهل الكفر لا تتوقف، بل جهود أهل البدعة لا تكلُّ ولا تملُّ، فأين جهود أهل السنة ؟ يقول الله تعالى : {وَلا تَهِنُوا فِي ابْتِغَاءِ الْقَوْمِ إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لا يَرْجُونَ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً} (النساء:104) ।

فإذا تساوت الآلام واختلفت الآمال، فمن كان رجاؤه بالله صحّ له الاندفاع والثبات بخلاف غيره ।

كوني داعية ॥

7ـ لكي يسمع الناس الحق، فلا ينقلب الحقُّ باطلاً، والباطل حقاً لسكوتنا ।

تذكري : عندما يسكت أهل الحق يقبَل الناس الباطل، فسبب انتشار الباطل ترك تعليم الحق وبيانه। ولا يصدك عن ذلك عدم قبول المنتصحين، بل يكفي إسماعهم صوت الحق والنصوص في ذلك كثيرة. يقول الله تعالى : {قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ وَعَلَيْكُمْ مَا حُمِّلْتُمْ وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلاَّ الْبَلاغُ الْمُبِينُ} (النور:54) .

كوني داعية ॥

8ـ ليحصل الأمن العقلي والحصانة الفكرية :

يقول الله تعالى : {وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ} (هود:117)، والشرط أن يكونوا مصلحين ولا يكفي أن يكونوا صالحين। لذلك أهل الدعوة من أهل السنة والجماعة يُقعدِّون القواعد ويدفعون الشبه على طريقة السلف لا ينتظرون أن تقع المشكلة ثم يكونوا أهل ردود أفعال فقط، بل يعلِّمون ويؤسسون أصول هذا الدين فإذا جاءهم أمر من الأمن أو الخوف، علموا إلى من يردّوه وتحت أي قانون عام يضعوه ।

كوني داعية ॥

9ـ لا تكوني منهزمة نفيساً تخجلين من الدعوة إلى الدين :

أحياناً تدور في الذهن كلمات مخذِّلة (الحرية الشخصية – ذاتية القرارات॥) فننهزم أمامها، في مقابل أنه لا يسمح لأحد في أي بقعة في العالم أن يعبر والإشارة حمراء، ولا يخجل أي أحد أن يلومه أو يوبخه! لا تتوقفي لأنك تخجلين بل الشريعة هي الحضارة، وكل ما سواها رجعية وانتكاسة। يقول النبي: "لا يمنعن رجلاً منكم مخافة الناس أن يتكلم بالحق إذا رآه وعلمه" الفتح الرباني لترتيب مسند الإمام أحمد ।

كوني داعية :

10ـ لأن الإنسان بطبعه داعٍ لما يؤمن به :

انظري إلى ما يقع في المجالس، فنحن دعاة إما إلى مَلْبسِ أو مأكل أو مشرب أو تسوق، نُقنِع ونجادل وندافع وكأننا شركاء لأصحاب هذه الأماكن، وانظري إذا تعلّمت إحدانا طريقة جديدة لطهي الطعام، ثم مهرت فيها فإنها تتحول إلى داعية لتلك الطريقة، نُعلّم الجاهلين خاصةً من نحب لهم الخير، فالدعوة إذاً دلالة المحبة لكن إلى أي شيء ندعو ؟

ثانياً : إلى ماذا ندعو ؟

جاء في صحيح البخاري في كتاب التوحيد (باب ما جاء في دعاء النبي أمته إلى توحيد الله تبارك وتعالى) : عن ابن قال : لما بعث النبي معاذاً إلى أهل اليمن، قال له: "إنك تقدم على قوم من أهل الكتاب فليكن أول ما تدعوهم إلى أن يوحدوا الله تعالى"। وفي رواية أخرى "إلى شهادة أن لا إله إلا الله، فإذا عرفوا ذلك فأخبرهم أن الله فرض عليهم خمس صلوات..." قال الإمام محمد بن عبد الوهاب في مسائل كتاب التوحيد: وفيه البداءة بالأهم فالمهم، ومن هنا يُعلم أهمية ترتيب الأولويات في الدعوة، وذلك لأن أعظم ما يكون في البيت أساسه، وفي الشجرة جذورها .

والرسول المصطفى أمضى ثلاثة عشرة سنة وهو يدعو إلى التوحيد قبل دعوتهم إلى الصلاة والزكاة وبقية الشرائع، وما ذاك إلا لأن التوحيد هو الحصن الحصين والركن الشديد، يثبت العقول، وعليه تجتمع القلوب। فيجب أن يُعلم: أن الصلاة مهمة في الإسلام لكن التوحيد أهم، وأن ترك المعاصي والكبائر مهم، لكن ترك الشرك أهم :

كيف يُعرف الأهم فالمهم ؟ رعاية الأهم ومعرفة المهم مصدرها الشرع، وليست العقول والأقيسة، فدعوة الرسل قررت الأهم فالمهم ونحن أتباعهم . وهي تدور حول ثلاثة أمور :

ـ معرفة الله تعالى بأسمائه وصفاته ।

ـ معرفة شريعته الموصلة إلى دار كرامته ।

ـ معرفة الثواب للطائعين والعقاب للعاصين ।

ولا تعتقدي أن أحوال الناس وأوضاعهم تغيرت فلم تعد تحتاج لهذا الترتيب، فما أُرشد إليه معاذ من المعلم الأول يبقى هو المنهج لا منهج غيره، وما تكرار الأمر بالتوحيد والنهي عن الشرك إلا لحاجة الناس إليه مؤمنهم وكافرهم। أما الكافر فيخرجه من الكفر إلى الإسلام، وأما المؤمن فيثبته ويرشده إلى صحة الإيمان .